المجاهد لعفيفي حسين المدعو ”علي شباب”: عقدنا العزم على انتزاع الحرية بالرجال والدم

ذكرى يوم الشهيد 18فيفري

تحيي الجزائر، ذكرى اليوم الوطني للشهيد، المصادف ل18 فيفري من كل سنة، وهي مناسبة تاريخية يسترجع فيها الشعب الجزائري التضحيات الجسام التي قدمها الشهيد دفاعا عن الوطن والحرية والشرف، في سبيل العيش في كنف الحرية والاستقلال .

وتعود هذه المناسبة لتذكّر بأهمية تخليد روح مليون ونصف المليون من الشهداء الذين رفضوا الاستعمار ورفعوا لواء الجهاد منذ فجر التاريخ، وساهموا في مسيرة التحرر التي قادها رجال المقاومات الشعبية منذ بداية الاحتلال الفرنسي.

وليستعيد إلى ذاكرته بهذه المناسبة،استقبلنا المجاهد لعفيفي حسين، ببلدية حمام دباغ ولاية قالمة، ليروي لنا فصولا من معاناة عاشوها، ومازال يتذكر شريط التضحيات والدم والنار والعذاب وجثث الشهداء وجراح أيام الإستدمار الفرنسي، وليتذكر أن هؤلاء الشهداء ماتوا من أجل حرية شعب الجزائر العربي الأبي المسلم وضحوا بالنفس والنفيس ولم تلههم الدنيا عن الوطن وحريته.

المجاهد حسين لعفيفي المدعو»علي شباب» إبن شهيد من مواليد 1935، بولاية قالمة انضم رفقة أخيه المرحوم العيفة لعفيفي» المدعو اسماعيل شباب» رحمه الله، إلى صفوف جيش التحرير الوطني، وبقي إلى غاية أواخر سنة 1961، أين أُلقي القبض عليه في إحدى الاشتباكات بين الثوار مع العدو الفرنسي.

يقول المجاهد ” لعفيفي حسين ” بمناسبة إحياء الذكرى يوم الشهيد أن الاستقلال «لم يأت صدفة أو تنازلا من قبل المستعمر وإنما هو تتويج لتضحيات رجال ونساء وصبر شعب وحنكة شخصيات وطنية أجبرت جنرالات فرنسا على الخضوع.

واعتبر المجاهد ” لعفيفي” أن الحرية كلفت ثمنا كبيرا، بقوله: «كم من شهيد وشهيدة سقت دماؤهم أرض الجزائر وكم من قبر لا يملك اسما، وكم من يتيم لم يعد له أب وكم من أرملة فقدت نصفها»، ويشير إلى أنه يوم الإعلان عن الاستقلال كان بمعاتقة عندما بلغه الخبر واصفا ذلك الشعور بـ»الحلم» : «لا الكلمة قادرة على التعبير ولا الدمعة، فقط الدهشة والذهول لقد تحقق الحلم»، ويوضح أنه بتاريخ 19 مارس عند إنزال العلم الفرنسي ورفع العلم الجزائري لم يكن مصدقا، لكنها حقيقة جاءت بالصبر والصمود والشجاعة والقوة، بالرغم من الضعف والجوع والألم والتعذيب.

ويروي المجاهد، أحداث وقعت له مع مجموعة من المجاهدين في جبل دباغ، أنه في أحد الأيام فوجئوا بالجيش الفرنسي وطائرات العدو فوق رؤوسهم في منطقة جبل دباغ والتي لم يستطع الجيش الفرنسي دخولها من قبل ، إثر وشاية، من أحد الحركى، حيث بدأ تطويق العدو للمنطقة بالطلعات الجوية وتحرك عدد هائل لقواته وتبع سقوط أولى قذائف القصف المروحي لجبل دباغ ، و زحف بري لعساكر فرنسا، حيث تم قصف كثيف حول مرتفعات الجبل إلى لهيب وكانت الصواريخ الحارقة لقنابل النابالم المصحوبة بالغازات السامة تتهاطل على الجبل.

ويتذكر المجاهد لعفيفي، الذي كان متواجدا في جبهة القتال، بأن عددا كبيرا من مجاهدي جيش التحرير الوطني، وخصوصا الفيلق التابع له وبقية العناصر التي شاركت في هذه المعركة تعرضوا للاختناق بسبب الغازات السامة، ومنهم من استشهد في تلك المعركة، منهم « سالم عمار المدعو» عمار الجن» و ليمان إسماعيل « رحمهم الله.
ويشير المجاهد أنه من كثرة استنشاقه للغازات، أغمي عليه وتم القبض على عدد من أفراد الكتيبة التابعة لدباغ، و أنه لم يستفق إلا بعد 14 عشر يوما وجد نفسه في المستشفى، حيث قضى 25 يوما تحت العناية بمستشفى قالمة تحت الحراسة المشددة، على أن يتم نقله إلى التحقيق، وهنا يتحسر محدثنا ويقول: «أنا ذاهب إلى الصراط» يقصد بها إلى التعذيب».
و لا يزال المجاهد « لعفيفي» يحتفظ بذاكرة قوية وهو يروي هذه الأحداث بدموع وبافتخار، إنه لم يكن يتوقع يوما أن يخرج من الحرب ضد الاستعمار الفرنسي حيا، ويشير أنه «كلما وقع في اشتباك مع المستعمر كان في نظره آخر يوم له في الحياة، وكان المجاهدون يؤمنون بالموت من أجل الوطن، لكن أبدا لم يتخيل نهاية الحرب يوما، أمام قوة فرنسا الاستعمارية التي تملك دبابات وطائرات وذخيرة حربية كبيرة وقوية.

يقول محدثنا إنه لما ألقي عليه القبض وحوّل إلى التعذيب، (هنا استرجع ذكريات التعذيب بصعوبة بالرغم من أنّها محفورة في ذهنه، بالنظر لفظاعة التعذيب وأساليبه) «لا يمكنني تحريك رجلي الأيمن كثيرا، لأنها معطوبة من شدة الضرب المبرح-من طرف الجنود الفرنسيين».
ويشير المجاهد إلى أساليب التعذيب التي تعرض لها بالماء والكهرباء ويؤكد بأنها ليست الكهرباء التي نستعملها في حياتنا العادية، بل أشد منها من حيث الضغط، وبقي تحت التعذيب لأيام قبل أن يحاكم وينفذ فيه الحكم بـ 20 سنة سجنا مع الأعمال الشاقة. يسكت المجاهد وعيناه اغرورقتا دموعا، لكنه يصمت قليلا، ويتذكر كلمات والدته عند سماعها بالحكم حين قالت بأعلى صوتها» ولدي ولدي ولدي يفوت 20 سنة حبس أو ما يكونش حركي»..
ويذكر المجاهد أنه عندما يخلد للنوم لا يرى الحرية بقدر ما تدور في عقله صور التعذيب وجثث الشهداء مرمية هناك وهناك ومنازل لم يبق منها سوى الأنقاض، والاستيقاظ من النوم أكثر ألما لأن المستعمر لا يزال يسيطر على أرض الجزائر ويواصل التعذيب ولم تترك فرنسا أية فرصة لاستعراض قوتها ووحشيتها، ويقول: لكن الله كان في عوننا وساعدنا في طردهم».
ويضيف محدثنا: «لقد حققت ثورة التحرير المظفرة الانتصارات المتتالية التي أفقدت العدو الفرنسي صوابه آنذاك فلجأ إلى الانتقام باستعماله الأسلحة الفتاكة، وزرع الرعب في أوساط السكان بالاستعمال المكثف للقنابل الحارقة (نابالم) ضد مواقع جيش التحرير الوطني، حيث عانى العديد من المجاهدين الذين يحملون آثار الحروق الناتجة عن استعمال هذا السلاح الحربي المحظور بموجب اتفاقيات دولية».
ويضيف أيضا: «الحرب لم تكن سهلة، لقد كنا نواجه مخاطر، ووقعنا ضحايا كمائن، التعب نال منا والجوع حالة يعجز اللسان عن وصفها، لأننا كنا أقرب من الأموات أكثر منه من الأحياء، لكننا صمدنا.

ذكرى يوم الشهيد ، محطة هامة لطلب الاعتراف والتعويض على المجازر التي ارتكبها جلادو الجيش الفرنسي في حق الجزائريين منذ احتلال الجزائر سنة 1830 إلى غاية الاستقلال 1962، وهو الأمر الذي يضع فرنسا اليوم أمام الأمر الواقع وفي حرج كبير نتيجة تنصّلها من مسؤولياتها اتجاه هذا الموضوع من جهة، وافتخارها بدور قواتها الاستعمارية في منطقة شمال إفريقيا الذي تراه مشرفا لها وجد إيجابي، ما يجعل أكبر دولة استعمارية في تلك الفترة في تناقض كبير، سينعكس سلبا لا محالة على صورتها في العالم ككل.

ا.ب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى